نجاح الدنيا والآخرة

نجاح الدنيا والآخرة

كالعادة، نرغب دومًا أن نُشارك بما يدور حول مفهوم ريادة الأعمال في الدنيا والآخرة. وفي نهاية هذا المقال، سنؤكد لكم أن اعتبار الآخرة هدفًا أساسيًّا على قدر المُستطَاع؛ فإنه – ولابُدّ – أن يتم نجاح الدنيا إن شاء الله.

هذا هو، بدلًا من السعي وراء رغبات دنيويَّة قصيرة الأجل، مثل الحصول على سيارة، أو منزل، أو شركة كبيرة، وهَلُمّ جرّا. هذه الرغبات التمتُّع بها أقصر مما تتصوَّرُون. لنترفَّع بتطلُّعاتنا إلى الآخرة.

إذًا، لماذا لا نجعل آمالنا وطموحاتنا تبلغ عنان السماء الدنيا، وكذلك ترتبط تلك التطلّعات بالآخرة؟

العلاقة بين نجاح الدنيا ونجاح الآخرة

إذا تطلّعنا إلى الدارِ الآخرة؛ فإن الله عز وجل سيساعدنا على تيسير أمورنا في الحياة الدنيا، وكذلك في الآخرة. بينما إذا كانت رغباتنا وطموحاتنا دنيويّة بحتة فقط؛ سيتمكّن منَّا حينذاك مرض “حب الدنيا”، فضلًا عن الخسائر الكُبرَى في الآخرة.

يقول الله تبارك وتعالى،

“مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ”. [الشورى: 20]

“بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى”. [الأعلى: 16-17]

ربما يتساءل العديد “كيف يمكننا الربط بين أعمال الدنيا والآخرة معًا؟ أعطنا مثالًا على ذلك“.

الجواب هو: هناك الكثير من الأمثلة التي لا تنتهي، بل كل أعمال الدنيا يمكن ربطها بالآخرة بالنيَّة. مثال: أستطيع أن أعزم في نيّتي بأنني – مثلًا – سأقوم بأداء أعمالي الآن “حتى أستطيع الزواج”، “حتى أوفّر لأسرتي احتياجاتها”، “حتى أساعد الأُسَر الفقيرة”، “حتى أتمكن من الحج”، “حتى أقوم بإعطاء المزيد من الصَدَقَاتِ” أو “حتى أتصدّق لفلان وفلان أو للجهة الفلانية”، “حتى أساعد في إنشاء 100 مستشفى!”، “حتى أعطف على مليون يتيم!”، وهكذا….

قصة نجاح

هناك قصة ممتعة حدثت في زمن تابعي التابعين. وهي عن عبد الله بن المُبارَك، أحد كبار علماء الحديث، وكذلك كان تاجرًا ناجحًا. في إحدى المرات، سأله الفضيل بن عياض، “أنت تأمرنا بالزهد والتقلّل، والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع، كيف ذا؟” قال ابن المبارك: “يا أبا علي، إنما أفعل هذا لأصون وجهي، وأكرم عرضي، وأستعين به على طاعة ربي”. فقال الفضيل: “يا ابن المبارك، ما أحسن ذا، إن تم ذا.” [من كتاب سِيَرِ أعلام النُّبَلاء، للإمام الذهبي رحمه الله]

لننظر كم هو جميل هذا المثال، وكيف يبرهن أن الله لا يخلف وعده. نال ابن المُبارَك رحمه الله من نجاح الدنيا الخير الكثير، كان ناجحًا في التجارة، وأصبح رائد أعمال ثريًّا، لكنه بَقِيَ هذا العالم الزاهد، لا يضع الدنيا في قلبه؛ لأنها ليست سوى وسيلة، وليست غاية. كان رحمه الله يفهم طبيعة الحياة الدنيا الفانية، فإن الدنيا ما هي إلا وسيلة لسعادة الآخرة.

هل تريدون مثالًا آخر على جعل الآخرة هي الحافز النهائي لنا في سائر أعمالنا؟ إليكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “على كل مسلم صدقة. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فيعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق. قالوا: فإن لم يستطع، أو لم يفعل؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليأمر بالمعروف. قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليمسك عن الشر فإنه صدقة”. [متفق عليه]

لاحظتم ذلك؟ كيف أن الحافز للعمل فقط هو أنكم تعطوا الصدقات؛ ذلك لأنَّ الصدقة واجبة. وهكذا، وبعد أن سمع الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين – هذا الحديث، ذهبوا مُباشرة إلى الأسواق باحثين عن العمل، حتى أن منهم من عمل مجرد حمَّال يرفع البضائع على ظهره؛ لأجل الحصول على الأجر الذي يُمَكِّنَهُ من الصدقة.

نجاح الدنيا من نجاح الآخرة

العديد من الأدلّة شرحت أن نجاح الدنيا هو ما وَعَدَ الله تعالى به عند الاهتمام والنظر صَوْب الآخرة، التي سينالها كل إنسان نَجَحَ فِي دُنْيَاه وآخرته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي؛ أملأ صدرك غنى وأسدّ فقرك. وإلا تفعل؛ ملأت يديك شغلا، ولم أسدّ فقرك”. [رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وهو صحيح]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من جعل الهموم همّاً واحداً، هَمّ المعاد – أي الآخرة -؛ كفاه الله همّ دنياه. ومن تشعّبت به الهموم في أحوال الدنيا؛ لم يبال الله في أي أوديته هلك”. [رواه ابن ماجه بإسنادٍ حَسَن]

كذلك، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسَلَّم: “من كانت الآخرة همّه: جَعَلَ الله غِنَاه في قَلْبِه، وجَمَعَ له شمله، وأتتْه الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همّه: جَعَلَ الله فَقْرَه بَيْن عَيْنَيْه، وفَرَّقَ عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له”. [رواه الترمذي، وهو صحيح]

حسنًا، هل لازلتم تشكُّون في وعود الله تعالى بعد قراءة ما سبق؟ هل هي قصص من نسجِ الخيال؟ ومن الأقدر على الوفاء بعهده ووعده؟ للأسف، الكثير مِنَّا لا يزال غير متأكد من نجاح الدنيا مع وعودِ الله تعالى، ويتشاركون جميعًا مع هذا الادِّعَاء، “نحن في عصر السرعة، ولابُد أن نواكب العصر، وإلا كيف سنقتات ونحصل على المال؟”، أو “ليس كل شيء فيه حرام وحلال!”. وبذلك، فإن الرشوة في حياتنا اليومية دون أي مشكلة أو الشعور بالذنب، ويصبح الكذب عند البيع والشراء أمرًا طبيعيًّا، وهلُمّ جرّا….

هل نجاح الدنيا مرتبط بالرزق؟

كيف يُمْكِن أن يأتي العطاء من الله تعالى، في صورة رزق، لكن لا نلمسه بأيدينا؟ تفكَّرُوا في هذا المثال: ربما أتى الرزق في صورة مال، لكنه ليس بنعمة. بل ربما يصبح نقمة تتسبب في المصائب، طلاق زوجة، ارتكاب الزنا، تشرُّد الأبناء وضياعهم، مرض الجلطة، وقد يتسبب في جنون الشخص أيضًا؛ ليقبع وحيدًا في مستشفى الأمراض العقلية. نهاية سيئة بالتأكيد، ولا يتمناها أحدًا مِنَّا لنفسه.

تأمّل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم،

“لا تستبطئوا الرزق، فإنه لن يموت العبد حتى يبلغه آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام”. [رواه عبد الرزاق، وابن حبان، والحاكم، حديث صحيح]

“إن روح القدس نَفَثَ في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يَحمِلَنَّكُم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصيةِ الله؛ فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته”. [رواه أبو ذر، والحاكم، حديث صحيح]

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: “أيها الناس! اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ، ودعوا ما حَرُمَ”. [صحيح ابن ماجه 1743]

دعونا ننظُرُ في الأحاديث المذكورة. إننا مأمورون أن نسعى، وأن نعمل بجدّ وجُهد، وأن نُحَسِّنَ سُبُل العَيش، وأن نترك الحرام، وأمرنا أن نتوخَّى الحذر. ولا يُلْتَمَس الرزق الذي في السماء بالمعاصي. لذلك، فإننا مأمورون أن نعمل بجد، ومعالجة طريقتنا للحصول على الرزق، بجانب تجنُّب الحرام.

قصة حقيقية عن الرزق

هناك تجارب شخصية كانت دليلًا للأحاديث المذكورة أعلاه، وأن أي إنسان لن يموت حتى يأتيه كامل رزقه. حدث ما حدث لوالد أحد الإخوة الأفاضل، أنه بعد أن أجرى عملية جراحية تعرَّضَ لمُضاعفات، وعُولِجَ في وحدة العناية المُرَكَّزَة لمدة 30 يومًا.

كان في غيبوبة لمُدَّةِ أسبوعيْن، وبعدها عاد إليه وعيه وطلب مثلّجات – آيس كريم -!. سمح الطبيب لابنه بإعطائه الآيس كريم. وبمجرد أن انتهى من تناوله، عاد في الغيبوبة مرة أخرى لِمُدَّةِ يومين، وتوفَّى في نهاية المطاف.

يتَّضِحُ لنا ببساطة من هذه الأحداث، وكأن ملك الموت انتظر إلى أن يُستَكْمَلَ رزق الوالد، حيث تبقّى منه شيء واحد فقط، وهو المثلجات. لهذا الأمر عاد إليه وعيه، وطلب الآيس كريم، ثم تصعد روحه بعد أن تلقّى كامل رزقه. تأكدوا أن المرء لن يموت قبل أن يستوفي رزقه.

هذه الحادثة جعلتنا أكثر ثقة بكلام الله تعالى ونبيه صلَّى الله عليه وسلَّم الوارد أعلاه.

السعي والعطاء من نجاح المرء

لا يزال هناك من يسأل هذا السؤال، “لماذا نسعى وقد تم تحديد وتقدير الأرزاق؟” حسنًا، صحابة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سألوه السؤال نفسه.

عن عليّ بن أبي طالب رضْيَ الله عنه، أن النبي صلَّى الله عليه وَسَلَّم قال: “ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا نَتَّكِلُ؟ قال: “اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ. ثم قرأ: “فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى”. [الليل: 5-0]. [رواه البخاري ومسلم]

هذه هي نصيحة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّمَ لنا، ألا نذْقَنَ على أيدينا، بل نحرص دائمًا على فعل الخيرات ولا نجعل القَدَر ذريعة للانخراط في الرذائل والتكاسل. وبالتأكيد يَتَيَسَّرُ لنا قدرنا، وطالما أننا نتَّبع كلام الله تعالى في الآيتين من سورة الليل “فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى”، فإن نجاح المرء ووَعْدَ الله عزَّ وجل لابُدَّ وأن يكون “فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى”.

سرّ نجاح الدنيا والآخرة

وأخيرًا، لنتأمَّل معًا ما يلي من كلام الله تعالى،

“مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”. [النحل: 97]

أرأيتم؟ إذا أردنا العيش في سعادة بجانب الحصول على الخير كله (الآية الكريمة لم تقيّد الخير، وفسرها العلماء أن المقصود هو كل اللطف، والخير، والسعادة، وراحة البال، وما إلى ذلك)، فإن السبيل إلى ذلك هو أن نعمل صالحًا، ونحن مؤمنين.

كيف يُمكننا أن تكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟ لنتعلَّمَ القرآن، ولنتَّبِع توجيهات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالفَهْمِ الصحيح. حينها نكن في خيرٍ وسلام، ويُكتب لنا نجاح الدنيا والآخرة، إن شاء الله.

Posted by تامر عمران

رائد أعمال، وصانع محتوى مع خبرة تزيد عن تسع سنوات في مجال صناعة المحتوى والكتابة الإبداعية. أخصائي تسويق إلكتروني وتحسين محركات البحث مع خبرة أكثر من سبع سنوات.