نهاية تطبيق صراحة .. وإخفاء الهوية!

ماذا يحدث عند استخدام تطبيق صراحة لتدمير العلاقات على شبكة الإنترنت؟

بداية، فإننا نحب كل منتج عربي نافع للناس، وعادة ما نشجّع أصحابها على النجاح، لكن مع الأسف الشديد، بعضها يكون غرضه في اتجاه، ويُساء استخدامها في اتجاهٍ معاكس تمامًا، والكلمة الفصل هنا تكون من جانب صاحب المنتج نفسه، هل سيترك الأمر سدى؟ أم سيعمل سريعًا على الحدّ من الاستخدام السيء لمنتجه؟ أم إذا لم يتمكن من السيطرة سيغلق مشروعه – مهما نال من شهرة – كأحد الأمثلة التي سنذكرها أدناه؟

على أية حال، لك أن تقرأ المقال أولًا بحيادية؛ وستفهم المُراد بإذن الله.

بالنسبة لأولئك الذين لم يتتبّعوا هذه المزحة (كما أسمّي هذا التطبيق)، فإن صراحة هو أحد التطبيقات التي تسمح لك بتلقِّي التعليقات والآراء من المجهولين من الأصدقاء والمعارف. اثنان من التفاصيل الهامة: 1) لا يمكن للمستخدمين الرد على الرسائل أو ربط حساباتهم بالفيسبوك. 2) لعثور الآخرين عليك أو لعثورك على شخص يعلّق لك على صراحة؛ تحتاج إلى نشر رابط ملفك الشخصي على الجداول الزمنية ومجموعات الواتساب، وبين الأقارب، والموظفين، وخلافه.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تظهر فيها منصة تدور حول عدم الكشف عن الهوية على شبكة الإنترنت، بل كان هناك من قبل سِكْرِت Secret وكذلك أسك Ask.fm، وهما ليستا سوى عدد قليل من الأمثلة. من الناحية النظرية، يتمثل الهدف من سائر تلك المنصات في تشجيع التفكير الذاتي من خلال النقد “البنَّاء”. المشكلة هي أن عدم الكشف عن الهوية عادة لا تكشف عن أفضل ما نفوس البشر، وإنما خلاف ذلك تمامًا؛ حيث تكمن في تلك المنصات إمكانات هائلة من السماح بالتدمير المعنوي للآخرين والإفلات من العقاب في آنٍ واحد.

ومن ناحيةٍ أخرى، أدوات مثل تطبيق صراحة تقدّم نهجًا لافتًا من تزايد عدم القدرة للاستماع إلى الآخرين. فقبول آراء الآخرين فيك – بما في ذلك أيضًا الاتهامات، وحالات التشفّي، والانتقام اللفظي، إلخ – بهذا الانفتاح اللا محدود يتطلب إلى قدرٍ كبيرٍ من البلادة وانعدام المشاعر تدفعك لفتح صندوق رسائل يحتوي على تعليقات مجهولة في وقتها الحقيقي.

وبنظرة تسويقية بحتة، أرى أنه تم التركيز على مسألة عدد الزيارات في المقالات المنشورة على مختلف المواقع؛ فبمجرّد أن يُقال عن تطبيقٍ جديد – حتى وإن لم تكن جميع تلك المعلومات صحيحة – أن محتواه يدور حول المجهولية، والتعليقات الغامضة والمجهولة، وأن عدد زوّار موقعه تجاوز مئات الآلاف، فهذا كفيل بإثارة الفضول الذي ترعرع في أنفس مستخدمي الإنترنت منذ ظهور الشبكات الاجتماعية ليتّجه سريعًا صوب هذا الموقع واستكشاف فحواه، مما يُضاعف تسارع عدد زياراته وانتشاره بشكل حقيقي، حتى وإن كانت بعض المعلومات المُقَدَّمة عنه قبل ذلك غير حقيقية.

تطبيق صراحة ليس من أجل النقد البنّاء!

وفكرة أن التطبيق عن النقد البناء، ربما كانت هذه هي رغبة المطوّر، لكن ماذا لو تمت إساءة استخدامه وأصبح التجريح والسَّب هو الأصل لمن يتردد عليه من المجهولين؟ وما قيمة ذلك كله إذا تربّص أحدهم بأحدهم/بإحداهن ليسبّه بوابلٍ من الشتائم القذرة، أو التحرش بشكلٍ لا محدود، وربما كان من أقرب الأقربين له والمستخدم الضحية لا يدري؟ بحسب ما قرأت وشاهدت من تقارير، وتعليقات، ومراجعات التطبيق على المتاجر، عربية وبلغاتٍ أخرى؛ فإن هذا هو ما يغلب على تعليقات صراحة حاليًا، وكما أن التطبيق بات حالة جدل عالمية، فإن سوء استخدامه هو الآخر أصبح حالة جدلية عالمية. ومن ينكر ذلك فليُحضر لنا إحصائية بمدى إيجابية التعليقات والتصريحات مقابل السلبية التي تحتويه.

بل ومن المبكي ظهور نفس الفكرة تحت اسم “نفاق” بدلًا من “صراحة”، وهذا يشير إلى مكنون ربما لم يلحظه البعض؛ فالغاية من صراحة في الأساس لم تتجاوز تعريف التطبيق، “من أجل نقد بنّاء”، وعليه تجد أي شخص لديه بعضًا من المعرفة التقنية بإمكانه إنشاء موقع بنفس الفكرة وبنفس التصميم، لكن بتعريفٍ آخر، من أجل النفاق، أو المدح، أو الفضفضة، إلخ.

وأنا كنت أحد مستخدمي تطبيق Secret منذ ظهوره في 2014، ومصيره هو أن مالكه قام بإغلاق التطبيق تمامًا نظرًا لعدم القدرة والسيطرة على هذا الكمّ من محتوى الكراهية الذي فيه. ويختلف تطبيق صراحة عنه بأمرين فقط، وهو عدم القدرة على الرد على من ينقد أو يُصَرّح، والخصوصية فلا أحد من المستخدمين الآخرين بإمكانه معرفة ما تتعرض له من تعليقات.

السؤال: هل يُعَدُّ ذلك كافيًا؟ ومهما استمرّت تلك الشهرة – لا أسميها نجاحًا لعدم تمكن التطبيق من تحقيق هدفه الحقيقي -؛ فإلى أي مدى؟ ربما تبدو ميزات مثل تعطيل التعليقات المجهولة على المنصة، التي يمكن أن تساعد على فلترة الرسائل، تبدو أكثر أمانًا، مع القدرة على تجنُّب العثور على حساب المستخدم من خلال البحث، لكن هذا لا يُعدُّ كافيًا من جعل الفكرة العامة للتطبيق في ظل التغيير السلوكي للبشر والعدائية المنتشرة على الشبكة العنكبوتية أنه حقلًا خصبًا للكراهية، كما وصفه أحدهم في التعليقات على المتجر.

ما أنا على يقينٍ منه أنه عاجلًا أو آجلًا، إن لم يتم تطوير نموذج العمل بفكرة أنفع للمجتمعات، لا سيّما العربي منها؛ فمصير تطبيق صراحة هو نفس مصير Secret. ربما كانت الورقة الرابحة في يد التطبيق إن خَبُت لَمَعَانه هي القدرة على الرد، أي أن ذلك سيجعله أكثر شبهًا بتطبيق Secret، مما يزيد في تسارع اختفاءه. فأنت بين عدة خيارات، الأقل سوءًا منهم هو أن تتحول إلى منصة مثل أسك من أجل البقاء لأطول فترة ممكنة.

هذا هو رأيي في التطبيق، أفرح أنّ من قام بتطويره هو من شبابنا العربي، لكن نظرًا لتجربتي بالاطلاع على تطبيق أجنبي يحمل الفكرة نفسها ومروري بمصيره وما جرى به – ربما القليل منكم فقط من استخدم تطبيق Secret – فإن الفكرة لا تستهويني. وأرجو ممن لديه حيادية في التقييم أن ينظر للأمر برُمّته، وليس لمجرد أن أحد شبابنا العربي قام بتطوير تطبيق حاز بتلك الشهرة فعلينا تشجيعها؛ لأن الواقع أثبت أنها مثيرة للجدل، ليس إلا.

يمكنكم الاطلاع على المقال الذي كتبه مطور منصة Secret عن نهاية تطبيقه من هذا الرابط، أو هذا الرابط.

سرّ نجاح التطبيق هو غاية لم تتحقق؛ ونفس الغاية – بحسب التوقعات – ستُصبح أحد أسباب نهايته، إلا إذا تم تعديل نموذج العمل كما ذكرت آنفًا – أو حتى تغييره من الألف للياء واستغلال الشهرة الحالية! – لكي يتحقق الهدف السامي منه، وهو الصراحة والنقد البناء حقًا، بعيدًا عن الشعارات.

Posted by تامر عمران

رائد أعمال، وصانع محتوى مع خبرة تزيد عن تسع سنوات في مجال صناعة المحتوى والكتابة الإبداعية. أخصائي تسويق إلكتروني وتحسين محركات البحث مع خبرة أكثر من سبع سنوات.

اترك تعليقاً