خدمات الاقتصاد التشاركي: نقاط الضعف (الجزء 2)
نقاط ضعف خدمات الاقتصاد التشاركي
إلى الآن، كان من السهل تحديد نقاط القوة المتنوّعة لـ خدمات الاقتصاد التشاركي. وباختصار، فإن تلك الخدمات شبه خالية من البيروقراطية، وبثنائية مباشرة بين مزوّد الخدمة والعميل، وبتكاليف أقل من النماذج التقليدية. لكن من الواضح أن هذا يعكس أيضًا الجانب السلبي – سواء العملي الحالي أو المُحتَمَل – للخدمات المُقدَّمة بتلك الطريقة.
الهشاشة وعدم الاستقرار
واحدة من أقوى نقاط الضَّعف هي الهشاشة وعدم الاستقرار. ففي “أوبر”، على سبيل المثال، تحصل الشركة على نسبةٍ مئوية من المبلغ الذي يتم تحصيله في مقابل الرحلة – كل هذا من دون تقديم مقابل كبير لسائقي السيارات ممن يطلبون العمل لدى “أوبر”.
وعندما تشاهد أو تسمع عن الإعلانات التي تصدّرها شركات هذا القطاع، وخاصة “أوبر” والشركات المشابهة لها؛ تجدها تتحدّث عن “تحرير” من يعمل لديها، ما يجعله يصبح رئيسًا لنفسه. إلَّا أن الواقع هو أنها يمكن أن تجعل العميل يقوم ببعض التغييرات في الرحلة من دون وجود قوانين عمل، ما يؤدي إلى هشاشة القوى العاملة. ومن بين أفضل الخدمات المعروفة، تُعَدُّ “أوبر” واحدة من أفضل الخدمات التي تُناسب هذا النوع ممن لا يقبلون ببعض التنازلات. فعلى الرغم من كل شيء تظلّ هي الخدمة الوحيدة – حاليًا – التي يوجد فيها عامل/شريك يقدّم خدماته لأشخاصٍ آخرين عبر التطبيق ليس إلا، بينما في الشركات الأخرى، فإن جوهر العمل هو التنازل عن استخدام الممتلكات أو إقراض الأوراق المالية.
تُشير بنود الخصوصية في “أوبر” إلى الالتزامات التي يتحمّلها الموظف عندما يصبح شريكًا للمنصة. يجب أن ينفّذ عددًا أدنى من الرحلات حتى يظلّ مرتبطًا بالخدمة. لذلك إذا رفضت القيام بعددٍ من الرحلات، أو لم تصل إلى هدفٍ معين خلال فترة ما؛ فسيتمّ إيقافك – والحديث عن كونك رئيس نفسك وأن “أوبر” عبارة عن منصة محايدة – سيتبخّر في الهواء!
قلّة الشفافية
وبشكل أكثر دقة، أنا أعني “أوبر”. فإلى جانب عدم الاستقرار، هناك بعض الانتقادات الأخرى أكثر عمقًا، من بينها قلة شفافية الشركة بما يتعلّق بالخوارزمية المستخدَمة لتحديد السعر الذي تفرضه المعادلة بين المسافة التي تقطعها السيارة ومدة الرحلة. عندما سئل الرئيس التنفيذي للشركة ترافيس كالانيك عن ذلك قال إن شركته “لا تحدد السعر، السوق هو من يفعل ذلك”، هذا ما قاله فقط، من دون الايضاح أكثر.

يثير هذا السؤال الجدل حول ممارسات الشركة وعن مدى تلاعبها بخوارزميات التسعير لصالحها – وهذه واحدة من الحجج التي يستخدمها أولئك الذين يرفضون وجود شركات مثل “أوبر” وغيرها في بلدانهم. ونتيجة لذلك، سيكون من الممكن التدخّل في حالة الممارسات التعسُّفية التي تقوم بها الشركة، والتي قد تكون مُلزمة حينئذ بتوفير قدر أكبر من الشفافية لشركائها وعملائها.
التمركز والمنافسة غير العادلة
في نيويورك، تغلق المغاسل أعمالها بسبب خليط من تحسين المستوى الاجتماعي والاقتصاد التشاركي. يأتي تحسين المستوى الاجتماعي نتيجة المضاربة العقارية في منطقة حضرية معينة وتوفير خدمات وتحسينات من أجل رفع أسعار العقار، ما ينتهي به المطاف إلى زيادة قيمة الإيجار، ما يقلل من هامش الربح لأولئك الذين يقدمون خدمات الغسيل الآلي.
وما زاد الطين بلّة، قدّمت شركات “وادي السيليكون” خدمات الغسيل الشخصية. فعلى سبيل المثال، من خلال تطبيقٍ ما؛ يقوم أحد سكّان مانهاتن بتحديد بعض جوانب طلبه، مثل نوع الغسيل، وما هو عدد القطع التي سيتم غسلها، وما إلى ذلك. وفي غضون نحو 20-30 دقيقة، تصل سيارة إلى بابه لتجميع الملابس – وتجلب السيارة ذاتها الملابس نظيفة ومطويّة.
الفكرة لا تبدو سيئة، أليس كذلك؟ ربما بدا الأمر كذلك، لكن إذا نظرت إلى الآثار الاجتماعية التي قد تحدثها مثل هذه الأعمال ستجدها مضرّة للغاية. والدليل على ذلك هو المنافسة غير العادلة مع المغاسل التقليدية، التي تفشل في مواكبة التطورات التكنولوجية، وتعاني من انخفاض العملاء وزيادة الإيجارات، بل وربما لديها بعض الغسالات الأوتوماتيكية التي تعمل بقطع النقود المعدنية – بينها خدمات مثل “فلاي كلينرز” (FlyCleaners) وأشكالًا أخرى من الدفع، وكذلك تساعد على توفير وقتك.
وحتى عندما تتعاون الشركات الناشئة على غرار “كلينلي” (Cleanly) مع المغاسل المحلية؛ فإن التفاوض عادة ما يكون من دون فائدة تذكر بالنسبة للمؤسسات التي لا تزال تبدو متحفّظة مع هذا النوع الجديد من الشراكة.
ومن جانبٍ آخر، تجد أن الشركات أحادية القرن في سوق خدمات الاقتصاد التشاركي تخطط للاستحواذ على أكبر حصة منه من خلال صفقات الاستحواذ، وأكبر مثال على ذلك عندما قامت “أوبر” بتوسعة هيمنتها في الشرق الأوسط مؤخرًا، حيث استحوذت على منافستها الرئيسية في المنطقة، ألا وهي شركة “كريم”، في مقابل ٣.١ مليار دولار أميركي، وتعتبر تلك الاتفاقية هي أكبر صفقة بين شركات التكنولوجيا في المنطقة.
ومن خلال هذه الصفقة، ستتمكن أوبر من الوصول إلى نحو ٦٠٠ مليون مستخدم. معظم المستخدمين تقل أعمارهم عن ٣٠ سنة ويعيشون في الأماكن الحضرية. ربما كان الأمر الأكثر إيجابية من وراء تلك الصفقة هو أن “أوبر” على وشك إطلاق عرض أسهمها للاكتتاب العام الأولي لتصبح شركة مساهمة عامة.
في المقال المقبل، وهو الجزء الثالث والأخير، سنتحدث عن التحديات التي تواجه خدمات الاقتصاد التشاركي ونظرة الاقتصاد الإسلامي لهذا السوق.