كفانا إلهامٌ من أشباهِ رواد الأعمال!
عن أشباه رواد الأعمال أتحدَّث
ريادة الأعمال ليست سهلة. لم تكن يومًا كذلك ولن تصبح كذلك في يومٍ من الأيام. وفي هذا المقال أشارككم رأيي حول تلك الموجة التي ثارت مؤخرًا بشأنِ “فعاليات ريادة الأعمال” أو ما يصح التعبير عنه بـ “ريادة الأعمال المسرحية“، وهي ظاهرة لا تقتصر على دولة بعينها.
يتميَّز هذا النوع من ريادة الأعمال بكونه فارغًا من المحتوى والقيمة، بينما تجد فيه مجرد أشخاص، وربما يكونون رواد أعمال بالفعل أو رجال أعمال، يذكرون قصص نجاحهم بادِّعاءِ إلهامك. أصحاب تلك العروض المسرحية – فيما يبدو لي – يُغذُّون ذلك الغرور البشري الذي لا حدَّ له، لجمهورٍ حريص على العثور على أمثلةٍ من النجاح السريع؛ عسى أن يجدون الوصفة أو الخلطة السريَّة السريعة في قصة أي من أولئك الأشخاص. قريبًا إن شاء الله تعالى سأفرد حلقة خاصة أتحدث فيها عن موضة ريادة الأعمال المسرحية على بودكاست ريادة.
لكن لا بُدّ أن أمُرّ على الأمر سريعًا هنا لسببٍ بسيط، وهو أن كل من يعرفني؛ يدرك أنني أحد محاربي مبدأ الفعاليات التي لا جدوى لها. تأتي الفعالية بِمَنْ يُسَمُّون نجوم المجتمع، شباب المجتمع، مشاهير رواد الأعمال، سَمِّهم ما شئت وكيف شئت لكنهم معروفون ومن المشاهير على كل حال. ثم يأتي رائد/رجل الأعمال يتحدث – مثلًا – عن قصة نجاحه، وكيف كافح ونافح ليصل إلى ما وصل إليه. لكن إذا تعمّقنا أكثر وبشكل استقصائي لتاريخ أولئك النجوم؛ سنجد أن الغالبية العُظْمَى منهم – ولا أقول جميعهم – يعود نجاح شركاتهم إلى الْفِرَق التي عَملت معهم، أو على أقل تقدير يعود إلى الشخص الذي قاد تلك الْفِرَق.
وبكل إنصاف، يمكنني القول إنَّ وجود أمثال هؤلاء، وتحولهم إلى نجوم مجتمع؛ يجلب لنا نتيجتين مختلفتين: من ناحية، نعم يُلهمون ويعلِّمون العشرات من رواد الأعمال الجُدُد بعض المفاهيم الجديدة. لكن من جهةٍ أخرى، فإنهم يتسببون في إيجاد العديد من المفاهيم المشبوهة لدى الشباب الناشئ، منها فكرة أن كل رائد أعمال سيصبح نجمًا في يومٍ ما (طالما أن كل قدوة لديهم هو فقط من نجوم المجتمع!)، أو تصوُّر أن كل من لم يَخُض في ريادة الأعمال لا قيمة له، أو أفكار أخرى لا تخلو من شيء فيه تطرُّف عاطفي نحو ريادة الأعمال، إمَّا بالإيجاب أو السَّلب.
ظهور شخصيات لم يسبق لها الخوض الحقيقي في عالم ريادة الأعمال، لكن أصبحوا عالميين باستخدام الترويج الذاتي تحت مُسَمَّى رواد الأعمال، وركوبهم تلك الموجة الجديدة من دون أي محتوى يضفي على الحاضر والمُستَمِع قيمة جديدة بعد أن يخرج من الفعالية، كل ذلك يجعل رائد الأعمال المُبتدئ يُقلل من قيمة العمل الجماعي، بل أن بعض أولئك النجوم يفتقد للأخلاقيات المطلوبة للقدوة، ويمكنكم توقُّع أثر ذلك على الشباب. وربما كان ثريًّا ويروي قصصًا بأنه رائد أعمال، بينما هو مجرد رجل أعمال ليس إلَّا يجعل من يشاهده من الشباب يختلط عليه الأمر والمفاهيم؛ لينظر إلى أن النجاح = المال فقط. وأخيرًا فإن غياب المسؤولية الاجتماعية هو سبب رئيسي في ظهور أولئك الأفراد – الأسطوريين لدى البعض – في عالم ريادة الأعمال. ولا بأس أن يوظّفَ هذا الأسطوري شخصًا يُعِدَّ له العرض التقديمي، مع القليل من البحث والجَوْجَلَة على شبكة ليحفظ بعض الأرقام والإحصائيات؛ حتى يظهر أمام الجميع أنه ليس مُجَرَّد أسطوريًّا فقط، بل أسطوريًّا مُجَنَّحًا!
رواد الأعمال ليسوا سواء
هل جميع من يظهر في الفعاليات بتلك الصورة؟ بالتأكيد لا. وهل كل موضوعات الفعاليات غير مفيدة؟ ربما كانت مفيدة في بادئ الأمر، لكن لا يمكنني الإجابة بنفي تلك الحقيقة؛ لتفشِّي مرض “ريادة الأعمال المسرحية” في الآونة الأخيرة.
لا أعني هنا أن كل ما هو مُلهِم من قصص النجاح – حتى مع تلك الآثار الجانبية – ليس له أهمية بالغة في توطيد ريادة الأعمال في العالم العربي. ما أراه، هو أن ريادة الأعمال بدأت في إظهار علامات بأنها في طور الخروج من مرحلةِ الصِّغَر وعلى وشك الدخول إلى مرحلة النُّضج. وفي هذه المرحلة الجديدة، فإن نجوم ريادة الأعمال لن يجدوا مكانًا لهم ولن يُقبَلوا كرواد أعمال حقيقيين من دون اتِّساق، وقصص ريادية خاضوها بالفعل. قصص ريادية “واقعية” وفِعليَّة.
حان الوقت لجميع تلك الشخصيات أن يرعوا نشر ريادة الأعمال في العالم العربي، أو على أقل تقدير في دولتهم، على أن يُدرجوا فيما يُقدمونه توضيح القِيَم التي ترتبط بين ما حققوه من دخل من خلال مشاريعهم الريادية وبين الثروة التي عادت على المُجتَمَع. فمن الأهمية بمكان أن نتحدث ونخبر الناس عمَّا يقوم به رائد الأعمال خلال رحلته ونفعهم قدر المُستطاع؛ كجزء من ردِّ الجميل للمُجتمعِ الذي هو عبارة عن جزء من نجاحه.
3 أسئلة لتقييم رواد الأعمال والتأكد من كونهم حقيقيِّين.. لا مُزيَّفين
وعلى الجانب الآخر، يتوجَّب على أي شخص يحضر أي فعالية من الفعاليات، أو يخصص وقتًا لمتابعة أحد نجوم المجتمع – سواء من رواد الأعمال أو من يتشدَّق بذلك -، أن يُحلِّلَهُم جميعًا وفقًا للأسئلة المقبلة:
- ما هو الأثر، وحجم، تأثير العمل/المشروع/الخدمة التي أسسها رائد الأعمال للقطاع/المجال الذي يعمل فيه، ومدى إيجاده قيمة جديدة وإضافية للمُجتمع وفي زيادة تنميته؟
- ما هي الأنشطة والإجراءات داخل مشروع رائد الأعمال التي تهدُف إلى توليد فُرَص حقيقية للآخرين، وتنمية الشعوب، والاستدامة، وتقييم احتياجات المجتمع؟
- ما هو الدور الفِعلِي لرائد الأعمال في مُجتمعِه، وإلى أي مدى يهدُف ويؤثر دوره على التحول الاجتماعي، وتعزيز ريادة الأعمال، وتحسين مؤشر التنمية البشرية؟
باختصار، كَفَانَا إلهامٌ من استخدام نماذج رواد الأعمال المليونيرات فقط، أو من رواد الأعمال الزائفين الذين يستفيدون من التسويق الذاتي لهم ليحظوا بمكانة النُّبلاء بين الناس. حان الوقت لتقدير من يهتمّ حقًّا بإنشاء مُجتمعًا أفضل.
Reader interactions
2 Replies to “كفانا إلهامٌ من أشباهِ رواد الأعمال!”
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
سأخبرك بشيء واحد وهو
شكراً لك على هذه المقالة
جزاكم الله خيراً